تحدّث الدكتور لؤي الخطيب، وزير الكهرباء السابق حتى مطلع شهر آيار ٢٠٢٠، حصرياً إلى نشرة ميس، في ١٥ آيار ٢٠٢٠، عن فترة عمله في المنصب والتحديات الجسيمة التي ما تزال تواجه العراق وقطاع الكهرباء. وفيما يأتي نص المقابلة المنقحة والمترجمة عن النسخة الإنجليزية.
س/ شكرا ً لإتاحة الفرصة للحديث مع ميس – MEES. هل تستمتع الآن بحياة ما بعد المنصب الوزاري؟
ج/ لقد استرددتُ ذاتي وحريتي وكل شيء بعد تجربة مريرة وقاسية! إذ كان المنصب عرضةً للتحديات اليومية. وكوني مسؤولاً سابقاً ومستقلاً يتواجد في ظروف صعبة في بلدٍ كالعراق، فإنها مهمة مستحيلة في أغلب الأحيان. لكن، وعلى الرغم من ذلك، فلي الشرف في خدمة بلدي وشعبي بغضّ النظر عن مشقة المنصب ومتاعبه.
س/ بأي حالٍ من الأحوال، وعلى الرغم من صعوبتها، فقد كانت تجربة ناجحة.
ج/ إنني فخور بتلك التجربة غاية الفخر. فللمرة الأولى في العراق منذ نشوب الحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988)، تمتعت البصرة بالكهرباء على مدار سبعة أيام ولأربع وعشرين ساعة حققناها في العام الماضي، مع أفضل تجهيز للكهرباء في عموم المحافظات. وحتى تاريخ 27 نيسان، جهزنا الكهرباء على مدار سبعة أيام ولأربع وعشرين ساعة يومياً في معظم المدن. وفي يوم 28 نيسان من كل سنة، تُشَنُّ هجمات على خطوط النقل الكهربائية إحياءً لذكرى مولد صدام حسين. بَيْدَ أنني خارج المنصب الآن، وأتمنى أن يتحسن الوضع الأمني في ظل الحكومة الجديدة.
س/ دعنا نبدأ من نظرة فنية عامة حول المنجزات التي تحققت في وزارة الكهرباء في ظل قيادتكم التي امتدت من شهر تشرين الأول من العام 2018 حتى شهر نيسان من العام 2020.
ج/ بكل تأكيد. للحديث عن الكهرباء تأريخياً، لم يكن تجهيز الكهرباء في العام 2003 سوى 3 غيغاواط تشغيلية من السعة التصميمية للشبكة والتي كانت خمسة غيغاوط ثلثها خارج عن العمل، في حين أن التجهيز التشغيلي الفعلي كان 3 غيغاواط. وقد ازدادت السعة التصميمية إلى 30 غيغاواط في السنوات التي تلتها بضمنها 5 غيغاواط دمّرها داعش و 5 غيغاواط أخرى تمثل سعة الضرر الحاصل من البلى والاستهلاك المتواصل. آخذين هذه الحقائق والخسائر بالحسبان، فقد عملنا على الوصول إلى 19.27 غيغاواط في ذروة التوليد الفعلي للكهرباء. إن ذروة الطلب على الكهرباء في فصل الصيف تصل حوالي إلى 25 غيغاواط. ولكن في أوقات أخرى من السنة، فإن الطلب على الكهرباء أقل من ذلك بكثير.
وعندما تسنّمت منصبي وزيراً للكهرباء، كانت ذروة التجهيز قد وصلت عند 15.8 غيغاواط. وخلال أقل من عام، عملنا على الوصول الى تجهيز يقدر بـ 19.27 غيغاواط بصورة ناجحة، مما يعني أننا كوزارة أضفنا ما يقارب 3.5 غيغاواط إلى الطاقة الكهربائية. إن الحصول على 3.5 غيغاواط جاء أساساً من تأهيل الوحدات القديمة، وتحسين كفاءة التجهيز من محطات معينة، وإضافة وحدات جديدة إلى المحطات الكهربائية.
وبالإضافة إلى ذلك، فقد أضفنا سعات ملحوظة في خطوط النقل ووسّعنا قطاع التوزيع في المناطق المحررة لأول مرة منذ احتلال داعش في سنة 2014، وعملنا على إدامة الطاقة الكهربائية في المحافظات المتضررة فكانت تلك المهمة الخطوة الأبرز والأهم لجهود الوزارة.
س/ ماذا كانت استراتيجيتك في تحقيق هذه المهمة؟
ج/ كانت استراتيجيتنا تكمن في تحديد المشاريع المتوقفة كافة في قطاعات الكهرباء الثلاثة: الإنتاج والنقل والتوزيع، وإعداد لائحة بهذه المشاريع من ثم تحويلها إلى برامج تنفيذ سريعة. أنجزنا كل تلك المهام على الرغم من إطلاق ميزانية العام 2019 في نهاية شهر نيسان من العام الماضي. وقد ركّزنا على تعزيز التعاضد بين القطاع العام والشركات المملوكة للدولة والقطاع الخاص من أجل المضي قدماً بالمهام الموكلة لنا. وقد جرت المتطلبات التعاقدية بانسيابية من أجل تسهيل اللوازم اللوجستية لإكمال المشاريع.
وعلى صعيد موازٍ، سافرت إلى ألمانيا قبل زيارة السيد رئيس الوزراء لإيجاد طريقة للمضي في “خارطة طريق وطنية” نُبيّن من خلالها ما نحتاجه من شركة سيمنز وضمان الانسيابية في الوصول إلى طموحاتنا. بعد ذلك، جلست مع شركة “جي إي” (GE) وبعض الشركات الصينية، وعلى وجه التحديد الشركة الصينية (CMEC)، لبيان الطرق التي يمكن لهم من خلالها تقديم المساعدة من أجل تحقيق تقدم في هذه الخارطة. كانت تلك المهام جميعها في الربع الأول من العام 2019.
وأنهينا الاتفاق الرئيسي مع شركة “سيمنز” في 30 من شهر نيسان (إطلع على MEES، في 3 آيار من العام 2019)، وأحضرنا شركة جي إي للعمل على قطاع النقل وبعض مشاريع التوليد، وعلى وجه الخصوص إعمار الشبكات المدمرة في غرب العراق وفي المناطق المُحررّة. كان ذلك العقد ضخماً بقيمة 727 مليون دولار أمريكي ينجز ضمن برنامج عمل يستمر بين سنتين إلى ثلاث سنوات.
وقد تم استدقدام شركة سميك (CMEC) الصينية من أجل إكمال 1.26 غيغاواط في محطة صلاح الدين الحرارية، ولنا أمل في أن يتم إكمالها في نهاية هذا العام. وستقوم شركة “جي إي” (GE) بإدخال محطتي كهرباء غازيتيين سعة كل واحدة منهما 500 ميغاواط إلى الخدمة في هذا الصيف (وتزاد كل واحدة إلى 750 ميغاواط في المرحلة الثانية بعد تطوير الدورة المركبة) في كل من محافظتي ذي قار والمثنى. لذلك، لدينا أكثر من 2 غيغاواط ستدخل الخدمة في هذا العام بين الصيف ونهاية العام. وسيتم إضافة 320 ميغاواط أيضاً في محافظة كركوك، وسوف تتجاوز السعة الكلية قريباً سقف الـ 20 غيغاواط.
س/ وماذا عن مصادر الكهرباء غير التقليدية التي كانت تحاول إدخالها الوزارة؟
ج/ لو أتيح لحكومتنا متسع من الوقت لتنفيذ المشاريع في إطار ثلاث إلى أربع سنوات، لكنا قادرون على إنجاز بين 26-27 غيغاواط في تجهيز الطاقة الكهربائية كحد أدنى، وهذا بالمناسبة لا يتضمن حتى الطاقة الكهربائية المتجددة الكامنة بين 2-1.5 غيغاواط التي كنا نخطط للوصول لها.
كان من المزمع المباشرة بمشاريع الطاقة الشمسية بسعة 755 ميغاواط على أساس الاستثمار لأول جولة للعطاءات مُجدولة في الأسبوع الأول من شهر تشرين الأول من العام الماضي. بَيْد أن هذه المبادرة انحسرت عندما اندلعت الاحتجاجات (اطلع على MEES، في 11 تشرين الأول من العام 2019). وتم إرجاء كل شي إلى إشعارٍ آخر. وكان من المزمع إطلاق جولة عطاءات ثانية بسعة 1000 ميغاواط في الربع الأول من العام 2020، بَيْد أن كل شيء تم تأجيله إلى الحكومة الجديدة من أجل متابعتها. إن الخطط جاهزة بالإضافة إلى كل متطلبات جولة العطاءات.
للأسف، إن خطط الطاقة المتجددة السابقة التي اقترحتها الحكومات التي سبقتنا لم تكن واقعية تماماً. وما قمت به هو تحرير الطاقة الكهربائية الاستثمارية من التعرفة الثابتة، حيث قامت الإدارات السابقة بتقييد المستثمرين بسعر شراء غير واقعي لظروف العراق، وما من أحد سيأتي ويقدم عطاءً بإطار 3.5 سنت للكيلوواط بالساعة، لذا ألغيت مبدأ اعتماد شراء الكهرباء من المستثمر على أساس التعرفة الثابتة، ودعوت الشركات المستثمرة للتنافس على أساس متساوٍ ويضمن العدالة بين الشراكات والحكومة، حيث قمنا بجذب أسماء هامة ابتداءً من أكوا باور (Acwa Power) مرورا ً بتوتال (Total) وسيمنز (Siemens) وغيرها من الشركات الاقليمية والأوربية والصينية المعروفة. وجميعهم مستعدون للدخول والتنافس في قطاع الكهرباء للطاقة المتجددة في العراق. وبالاعتماد على هذه الإستراتيجية، وبحلول العام 2030، كان سيتمكن العراق من توليد 20% من طاقته الكهربائية من خلال الطاقة النظيفة.
وقد أعددنا المواد جميعها في مطبخ وزارة الكهرباء وما على الحكومة الجديدة إلا أن تأتي الآن وتبدأ بتنفيذها.
س/ ماذا عن الصعيد الإقليمي في شراء الكهرباء؟
ج/ بالإضافة لكل ما جاء أعلاه، كنا نعمل أيضاً على تنويع مصادر استيراد الكهرباء، إذ وقّعنا مع هيئة الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية (GCCIA) لاستيراد 1 غيغاواط تمر عن طريق الكويت إلى محافظة البصرة (انظر MEES، في 13 أيلول من العام 2019). وثمة 200 ميغاواط أخرى يتم شراؤها من المملكة الأردنية الهاشمية. بَيْدَ أن اتفاقية الربط هذه لم تُوّقع لكنها جاهزة من أجل التوقيع. حيث عندما كنا في ظل حكومة تصريف الأعمال (عند استقالة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي في تشرين الثاني السابق)، لم تكن لدينا الصلاحية على توقيعها، وما على الحكومة الجديدة إلا المضي في توقيعها.
أجرينا كذلك مباحثات مع المملكة العربية السعودية بشكلٍ مُنفصل لاستيراد الكهرباء عبر الحدود العراقية القريبة من الأردن لتغذية غرب العراق ومحافظات عدة. إلا أن تلك الاتفاقية ما تزال قيد المفاوضات. أما بالنسبة لتركيا، فلا يتطلب من الحكومة العراقية الجديدة إلا التوقيع على ما أنجزته الحكومة السابقة. إضافة إلى ما تقدم وامتداداً لجهود الربط الإقليمية، فقد أنجزنا مزامنة ناجحة مع الشبكة الكهربائية الإيرانية.
وعلى المدى القصير، تتلخص الفكرة من أن تلك الاتفاقيات ستمكن العراق من تنويع خياراته في الاستيراد وان يصبح سوقاً تنافسية لدول الجوار. أما على المدى الطويل، فإن هدفنا يكمن في جعل العراق مركزاً لتجارة الطاقة في المنطقة من أجل ربط شبكات الكهرباء في دول عديدة و خلق أسواق ذات عوائد مُثمرة للجميع.
إن هذه النقاط هي النقاط الرئيسة التي حقّقناها خلال 12-11 شهراً من تسنّمنا للمنصب قبل اندلاع الاحتجاجات وإجبارنا على أن نكون في ظل حكومة تصريف الأعمال محدودة الصلاحيات. وكما قلت سلفاً، إن هذه المرة الأولى في تاريخ العراق أن تتمتع أجزاء شاسعة من البلاد بتجهيز للكهرباء على مدار7 أيام وخلال 24 ساعة، وعلى وجه الخصوص البصرة التي تعد أهم مدينة كونها العاصمة الاقتصادية للبلاد.
س/ هل توجد أيّ مساع ٍ في مسألة دعم تسعيرة الكهرباء؟
ج/ إن المشكلة الحقيقية اليوم في العراق تكمن في أن ما يصرف على دعم تسعيرة الكهرباء يعد مكلفاً للغاية إذ يتمتع المستهلك بدعم يصل لنسبة 90% من قيمة الكلفة الحقيقية للطاقة المستهلكة، وهذا أمر غير قابل للاستدامة، وهو السبب الرئيس الذي يفسر الإنفاق الباهض للحكومة على هذا القطاع. ولإحاطتك بالموضوع، دفعت الحكومة العراقية في السنوات الماضية 12 مليار دولار سنوياً نيابة عن المستهلك كدعم لتسعيرة الكهرباء في العراق. ويتضمن هذا الإنفاق دعم الوقود من أجل توليد الطاقة الكهربائية والطاقة غير المُسدّدة. على سبيل المثال المستهلك في المملكة المتحدة والولايات المتحدة الذي يسدد 0.12 سنت لكل كيلوواط في الساعة لو كان في العراق لما دفع شيئاً بالمقارنة، وإذا دفع فلا تتجاوز الـ سنت الواحد للكيلوواط ساعة.
س/ من المسؤول عن هذا في نهاية المطاف؟ أهي مسؤولية وزارة الكهرباء؟
ج/ سؤال جيد. حاولت أن أقدم مبادرة بإلغاء الدعم، وأوضحت لرئيس الوزراء السابق، عادل عبد المهدي، ومجلس الوزراء في كانون الثاني من العام 2019 أن مضي العراق نحو الاستدامة يلزمنا بإلغاء الدعم. وأصدقُك القول، وبالرغم من أن تجهيز الطاقة الكهربائية في السنة الماضية كان جيداً بشكل ملحوظ إلا ان العجز في التجهيز لا يزال بحدود 6 غيغاواط ا، إذ أن هذا العجز يُعزى إلى الاستخدام الخاطىء والتجاوزات على الشبكة الوطنية.
ولو كان المستهلك يدفع الأجور كاملةً عن استخدامه للكهرباء، فإن 19 إلى 20 غيغاواط ستكون أكثر من كافية لتوفير الكهرباء في عموم العراق. وقد صرّح “فاتح بيرول”، المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية خلال عرضه الأخير عن العراق أن 18 غيغاواط كافية لتوفير الطاقة الكهربائية على مدار7 أيام وخلال 24 ساعة في أوقات ذروة الطلب على الكهرباء شرط الغاء الدعم. لذا، فالمسألة كلها أساساً تتمحور حول الدعم.
تُرى هل لي صلاحية إلغاء الدعم؟ الجواب كلا. وكوزيرٍ في الوزارة، كل ما يمكن أن نفعله هو تقديم تقرير وتوصيات، إذ يستوجب إجراء كهذا موافقة مجلس الوزراء ودعم من البرلمان العراقي. وحينما أقول دعم برلماني، أعني عدم تشجيع الناس على الاحتجاج في حال مضينا في الغاء الدعم. ثالثاً، إن هذه المسألة تستلزم مقبولية من الناس وتَفَهُم حقيقي خدمة للصالح العام لأن قبولهم والتزامهم هو الطريقة الحتمية للمضي قدماً، إضافة لفرض سلطة القانون لرفع التجاوزات وضمان عدالة التوزيع واستحصال كامل الجباية وحتى يستطيع العراق استيفاء الـ 12 مليار دولار سنوياً من المستهلك، والتي كانت الحكومات تصرفها كل عام كما في السنوات السابقة.
حالياً الوضع الاقتصادي صعب، وفي حال تمكن الإدارة الجديدة من الإبقاء على مستويات إنتاج الكهرباء لفصل الصيف هذا كما في السنة الماضية، فيمكنني اعتبار هذا السيناريو هو الأفضل في ظل التحديات الحالية.
س/ على ماذا تعتمد هذه النظرة بالضبط؟
ج/ علينا أن ننظر إلى الصورة الكلية. لدينا من 7-10% زيادة سنوية في الطلب. وستصل ذروة الطلب على الكهرباء في هذا الصيف إلى حوالي 27.5 غيغاواط. ويعزى هذا إلى عدة عوامل أولها النمو السكاني، والتوسع العمراني غير المنظم وغير المسيطر عليه، والاستخدام غير القانوني أو ما يعرف بسحب الطاقة غير القانوني. حيث يوجد لدينا 4 ملايين مستهلك مسجل للطاقة الكهربائية في العراق. بَيْدَ أن نصف هذا الرقم يمثل المستهلكين المنتفعين من الشبكة بشكل غير قانوني، أي من دون دفع مستحقات الطاقة. وعلاوة على ذلك، لدينا مليون مستخدم بصفة سكان العشوائيات ويستغلون خدمة الكهرباء ولا يدفعون أجورها.
هذا ما يجعلنا بحاجة إلى أخذ موافقة مجلس الوزراء، ودعم البرلمان، وتفهم الجماهير وقبول حقيقة حاجتنا لتقليص الدعم من أجل معالجة هذه المسألة. أتفهم مبدأ المعونات والدعم لمن هم يحتاجونها، وللذين يقبعون تحت مستوى خطر الفقر، ولكن ليس من المنطقي أن تعمّم هذه المنفعة على الجميع. وعلى دائرة الضمان الاجتماعي أن تتولى هذه القضية من خلال إيصال الدعم للمستحقين الحقيقيين بدلاً من الاعتماد على نظام دعم شامل يغطي كافة مستهلكي الطاقة الكهربائية في البلد. كما ينبغي تمويل الدعم من خلال هامش ربحي يستحصل من مبيعات الكهرباء خاصة إذا ما كان مقروناً بإجراءات الترشيد. المؤسسات الخدمية يجب ان لا تعمل كجمعيات خيرية، بل كمزوّدين للخدمة كما في القطاع الخاص، وعلى الناس أن يسددوا أجور هذه الخدمة.
وعندما يبدأ الناس بتسديد الأسعار الحقيقية للكهرباء، فستصبح مشاريع ومقترحات مباني الطاقة الكفوءة ومنشآتها ذات جدوى اقتصادية .
س/ إنها الأيام الأولى لخلفك، لكن هل يمكنك أن توضح كيف ستمضي وزارة الكهرباء؟
ج/ حسناً، لقد قدّمت توصياتي لهم، لاسيّما في موضوع التوقيع على اتفاقيات الربط الكهربائي مع كل من الأردن وتركيا التي يمكن إتمامها خلال أسبوعين فقط. كما يمكن لهيئة الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية أن تزوّدنا بالكهرباء خلال ستة إلى ثمانية أشهر فور مباشرتها بالتنفيذ، وخلال 20 إلى 24 شهراً مع الأردن، أما بالنسبة للاتفاق مع الممكلة العربية السعودية فيحتاج هذا الاتفاق إلى عام واحد.
س/ عندما تكلّمنا في بغداد في شباط الماضي (انظر MEES، 15 شباط 2019)، كنت تشكو من أن معظم وقتك تقضيه مُسْتَجْوَباً أمام البرلمان في عدة جلسات استضافة. كيف استطعت مواكبة الضغط السياسي أثناء عملك؟
ج/ إن الصعوبة الكُبرى حين تكون وزيراً تكمن بالضغط السياسي المتواصل من الأحزاب، وأعضاء البرلمان، وهلمّ جراً. وأقولها بمنتهى الصراحة، كان العمل كوزير كابوساً، ورفعت دعاوى ضد بعض هؤلاء الذين حاولوا التشهير وتشويه صورتي دون أي دليل. وشُنّت حملة تشهير شعواء فهوجمت عائلتي وسمعتي وكل شيء يمسّني. كان إبحار سفينتي صعباً للغاية.
س/ إذن، هل ستواصل مقاضاتهم؟
ج/ بكل تأكيد! يجب أن أطهر ساحتي من كل تلك الافتراءات، إذ إنني أنفق راتبي كوزير في رفع دعاوى ضد هؤلاء الأشخاص. إنها قضية مهمة.
س/ كونك وزيراً تكنوقراط ودون قاعدة دعم سياسية، كيف أثّر ذلك على إدارتك؟
ج/ لم أتمتع أبداً بأي دعم من أي حزب سياسي خلال وجودي في المنصب. فهذا أمر جيد، إذ سمح لي أن أكون مستقلاً تماماً. ومن جانب آخر، لم تهتم الأحزاب وسماسرة القوى المتنفذة بما تحقّق من نجاح للوزارة، فهم يبحثون عن حصصهم من المناقصات والسيطرة على مشاريع الكهرباء أو أي شيء آخر. وفي ظل هذا المنهج، جعلت حياتهم صعبة للغاية، إذ تبنيت إجراءات إدارية صارمة واتخذت سياقات قانونية مناسبة من أجل المضي قدماً بتلك المشاريع، بالممكن، دون خضوعها للمساومة المالية.
ولتسأل نفسك، كيف استطعنا أن ننجح بإضافة سعات كهربائية وأتممنا المشاريع التي شرعنا بها. وتُعزى المسألة إلى أن تلك المشاريع ظلت متوقفة ولم تنفذ أبداً. وتعود أغلب تلك المشاريع إلى العام 2010. والسؤال، لِمَ أخذت تلك المشاريع كل هذا الوقت؟ والجواب يكمن في أن أحزاب و جهات معينة كانت تطارد المتعاقدين من أجل استحصالها على الإتاوات. وقاموا بالمساومة على تلك المشاريع كافة. وخلال عشرة أشهر، نفّذنا تلك المشاريع. وبلغةٍ أخرى، ما تأخر في عشر سنوات أُنجز خلال عشرة أشهر!
س/ على ما يبدو من أن مشكلات الفساد والتّصدي لها لا يتفرّد بها العراق فحسب، بل يمتد إلى المنطقة. هلّا تعمّقت بتفاصيل أكثر حول تكتيكاتك واستراتيجياتك من أجل تقديم إصلاحات في بيئة كهذه وتسليط الضوء أكثر عليها في مسألة الإدارة العامة؟
ج/ لكي أختصر عليك تلك القصة الطويلة، ذهبت إلى مجلس الوزراء ومجلس الطاقة الاتحادي ضمن مجلس الوزراء وأخبرتهم بالآتي: “في حال عدم إعطائكم لي السلطة التنفيذية الكاملة لقطع دابر بعض البيروقراطية، فلا يمكنني القيام بعملي”. وكما ترى فإن السياقات البيروقراطية معقدة غاية التعقيد هنا في العراق. وبالمناسبة، إن المؤسسات البيروقراطية كافة ترزح في ظل الأحزاب السياسية التي تتطلع إلى حصصها ممّا يعيق عجلة التقدّم. وهذا ما نسميه بمفهوم “الدولة العميقة”.
إن عواقب هذه الأمور كانت مؤثرة، وعلى وجه الخصوص في وزارة الكهرباء، لأن الوزارة تاريخياً سُيّست بشكل كبير مع تخمتها بالفساد.
لذلك، توّجب عليّ أن آخذ أكثر الطرق اختصاراً. فقد تمتعت بصلاحيات خاصة مُنحت من مجلس الوزراء في اتخاذ القرارات واستطعت أن أناور في العمل بالسياقات القانونية، لأن بخلافه كنت سأقضي عام ٢٠١٩ في دوامة البيروقراطية العراقية التي لا تُثمر أي مُنجز، في حين أن ما أردت انجازه هو رؤية الأمور تمضي قدماً. لذا، وبدلاً عن ذلك، ركّزت على تحويل المشاريع إلى أرض الواقع. وبالتوازي مع هذه المسألة، فقد أسسنا لائحة من الأولويات التي ساعدتنا على متابعة العطاءات بشكل أسرع وإصدار الدعوات إلى الدخول في المشاريع والمضي قدماً بسرعة بالغة.
س/ هل سيتبع مجلس الوزراء الجديد والوزارة هذا المنهج؟
ج/ ليس لدي أدنى فكرة. لكنها دعوة لمجلس الوزراء سواء أكانت رغبتهم في الاستمرار بهذه المنهجية أو لا. إن الوزير الجديد كان واحداً من المدراء العامين الفنيين المتمكنين بوزارة الكهرباء وإن كان ليس من وكلائي أو أحد المستشارين الأقدمين في أثناء تكليفي. لهذا، لا يمكنني تأكيد اتباع هذا المنهج نفسه، إلا أنني واثق أنه سيبذل قصارى جهده لمعرفتي بمهنيته.
س/ ينتابنا الفضول أيضاً حول قيود العمل في ظل العقوبات التي فرضتها واشنطن على إيران وبرنامج الإعفاء. كيف لهذه المسألة أثرت على عملك؟
س/ عندما أصبحت وزيراً، كان أول اجتماعاتي مع سفير الولايات المتحدة في العراق والذي استقبلته بصحبة وفد قادم من واشنطن. ركزوا في حديثهم على استقلالية الطاقة، والاكتفاء الذاتي، والاستيراد من هنا وهناك، ومشاريع الغاز والكهرباء، وهلّم جراً. أخبرتهم بالآتي: “اصغوا! لا يهمني الحصول على الميغاواط هذا أو ذرة الغاز تلك من إيران أو المملكة العربية السعودية أو تركيا”. “ما يهمني حقاً هو أولا ًالعرض التنافسي، وثانياً توافر الكميات، وثالثاً الحصول على تلك الكميات الآن. وسألتهم بعدئذ: “في حال ذهابي إلى المملكة العربية السعودية، فهل لدى المملكة فائض من الغاز؟ كلا. وهل لدى المملكة فائض من الكهرباء؟ نعم. وهل ستمدنا المملكة بالكهرباء الآن؟ كلا”.
كانت المهمة صعبة للغاية في عملية التفاوض مع خبراء مجلس التعاون الخليجي (GCC) أيضاً. فقد أخذت مني المفاوضات وقتاً أطول للتفاهم على آلية لشراء الكهرباء من هيئة الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية (GCCIA) للوصول إلى سعر اقل بنسبة 15% من الاتفاق الإيراني. قريباً ستنتهي صلاحية العقد الإيراني، وتسعى الوزارة إلى إعادة التفاوض مع الجانب الإيراني، ويمكن لإيران أن تقدم لنا عرضاً تنافسياً أفضل مما كان متاحاً. هذه هي السوق الحرة!
س/ إذن، هل كان الاتفاق مع هيئة الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية (GCCIA) أرخص من الاتفاقية الإيرانية؟
ج/ بكل تأكيد. إلا أن مع اقتراب تجديد الاتفاقية مع إيران ربما لا يستمر ذلك. إن العقد الإيراني الأصلي كان بقيمة حوالي 8.5 سنت لكل كيلوواط. لذلك، كانت الخطة بجعل السعر الجديد، أما بسعر مُخفّض مماثل للسعر المقدم من قبل هيئة الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية (GCCIA) وبنسبة تخفيض 15% من سعر العقد الإيراني الأصلي كما اسلفت، إو حتى أقل من ذلك من خلال المفاوضات مع الجانب الإيراني. وينبغي إتمام هذه الاتفاقية هذا الشهر أو الشهر القادم.
إن هذا الحديث فيما يخص استيراد الكهرباء من إيران. أما بالنسبة للغاز، فلا يوجد لدينا بدائل عن إيران. وما لدينا من خيارات، الغاز الطبيعي المُسال؟ إن الغاز الطبيعي المُسال LNG أغلى بكثير من الغاز الإيراني القادم عبر خطوط الانابيب.
س/ بالاعتماد على الإعفاء الجديد، ما الذي كنتم تعدون الأمريكيين به؟ لأن على ما يبدو من الوضع الخارجي أنه كانت ثمة شكوك تطفو على السطح كل 45 إلى 60 يوماً فيما لو تمت الموافقة على التمديد.
ج/ لقد أوضحنا جلياً هذه المسألة للامريكين. فعندما نتحدث عن الكهرباء، والغاز، وأمن الطاقة، فإننا نتحدث عن برنامج تأهيل يمتد من 3 إلى 4 سنوات. لذا، إن كانوا يريدون كل 30 و45 و 60 أو 120 يوماً بتذكيرنا بالقصة ذاتها، كنا نذكرهم أننا نحتاج من 3 إلى 4 سنوات بمعيّة دعم حكومي مع صلاحيات تنفيذية كاملة، وظروف سوق صحيحة، ووضع مالي مناسب للقيام بما هو ضروري.
إن 20% من شبكتنا الوطنية و25% من سعة توليد الطاقة الكهربائية دمرها داعش تدميراً كاملاً، ويحتاج هذا الأمر إلى سنوات لإصلاحها. ولا يمكن إصلاحها خلال أشهر، إذ أن هذه الإعفاءات الشهرية لا معنى لها بالنسبة لنا.
وما نحن سوى وزارة للكهرباء. إن وزارة النفط كذلك يحتاج منها أن تقوم بما هو ضروري على صعيد الغاز. فيستلزم من وزارة النفط أن تطوّر الحقول لاستخراج واستثمار الغاز لتجهيزه لقطاع الكهرباء. كما يستلزم أيضاً تطوير وتحسين شبكة الأنابيب والكابسات ووحدات معامل المعالجة، وهلم َ جراً. كل هذه المسائل تحتاج إلى مليارات الدولارات وتستلزم ثلاث سنوات على الأقل.
س/ لقد تكلّمت على هذا الأمر سابقاً مشيراً إلى ضرورة دمج وزارتي النفط والكهرباء في وزارة واحدة من أجل إدارة أفضل لتلك التحديات التكاملية.
ج/ نعم. ثمة بُعْدٌ مؤسساتي في هذه المسألة. إن وجود وزارتين منفصلتين تعمل كلتاهما ضمن قطاع الطاقة يعد تحدياً كبيراً. ومطلوب من العراق أن يوحدهما في وزارة واحدة للطاقة.
س/ ما تقييمك لتعاونك مع وزارة النفط؟
ج/ إن من الصعب أن أعطيك تقييماً مناسباً. لي علاقة طيّبة وتعاون متميز مع (وزير النفط السابق) ثامر الغضبان، وهذه العلاقة تعود إلى سنوات عديدة ماضية. بَيْد أنني لا يمكنني أن أعطي أي تقييم لأن عملنا كان مُخْتَصَراً. لم نُمنح إلا 11 شهراً قبل بدء الاحتجاجات، وما تبقى هو للتاريخ. كما كان من الممكن لكلينا أن نقدّم عملاً أفضل بكثير لو قُدّر لتشكيلتنا الحكومية البقاء في الوزارة وإكمال المهمة بحسب المنهاج.
بخصوص الحكومة الجديدة، وزارة النفط تعاني من فراغ في إدارتها على أعلى مستوى، لأن الوزير الحالي الذي يعمل بالوكالة هو وزير المالية ذاته، على الرغم من كونه شخصية بارعة ومقتدرة، لكنه مشغول للغاية وليس لديه متسع للوقت. سينظر الوزير وكالة في العقود والجوانب المالية، إلا أن الأمور الفنية ستُترك إلى الوكلاء والمدراء العامين. لذا، سيعتمد العمل على كيفية تعاون تلك العناصر كافة في مواجهة الاحتياجات التي ستلقي بها الأزمة المالية الحالية.
س/ على صعيد الأزمة المالية، هل تعتقد أنها تؤثر على قطّاع الكهرباء؟
ج/ أوضحت للحكومة ما يأتي: في حال عدم البدء بإصلاح التعرفة الآن، أي الآن بكل معنى الكلمة، والقيام بتطبيق أحكام القوانين على التجاوزات الحاصلة على الطاقة الكهربائية، وزيادة الجباية، وعدم الاعتداء على موظفي جباية الكهرباء، فلن يمكن لنا أن نقدم خدمة مستدامة على الأمد الطويل.
س/ في نهاية المطاف، ينتابني الفضول في رؤية ربط شبكة الكهرباء وحقول الغاز في أقليم كردستان مع الحكومة الاتحادية.
ج/ إن هذا الموضوع قيد المداولة (انظر MEES، 24 نيسان)، إذ يعد هذا الموضوع حلاً قد يُنجز خلال 12 شهراً. ومن الممكن جداً، وكخيار مثالي للعراق الآن، أن يسد العجز تدريجياً في التجهيز من خلال توسيع التعاون على الصعيد الإتحادي.
“أجرى المقابلة محرر قسم العراق وايلون فيربانكس في 11 آيار. نشر من قبل MEES في 15 آيار باللغة الانجليزية أصلاً”.
المصدر: https://www.mees.com/2020/5/15/geopolitical-risk/on-iraq-power-and-power-politics-mees-interview-with-luay-al-khatteeb/cf6ba480-96bc-11ea-9104-f105774a5b6c